سورة يوسف - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


قوله عز وجل: {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض} قال ابن جرير الطبري: استخلصه الملك الأكبر الوليد بن الريان على عمل إظفير وعزله. قال مجاهد: وأسلم على يده. قال ابن عباس: ملك بعد سنة ونصف. فروى مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن يوسف قال: إني حفيظ عليم إن شاء الله لملك في وقته ذلك». ثم مات إظفير فزوّجه الملك بامرأة إظفير راعيل، فدخل بها يوسف فوجدها عذراء وولدت له ولدين أفرائيم ومنشا ابني يوسف.
ومن زعم أنها زليخا قال لم يتزوجها يوسف وأنها لما رأته في موكبه بكت، ثم قالت: الحمد لله الذي جعل الملوك عبيداً بالمعصية، وجعل العبيد بالطاعة ملوكاً، فضمها إليه فكانت في عياله حتى ماتت عنده ولم يتزوجها. {يتبوَّأ منها حيث يشاء} فيه وجهان:
أحدهما: يتخذ من أرض مصر منزلاً حيث يشاء، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: يصنع في الدنيا ما يشاء لتفويض الأمر إليه، قاله عبد الرحمن بن زيد.
{نصيب برحمتنا من نشاء} يعني في الدنيا بالرحمة والنعمة.
{ولا نضيع أجر المحسنين} يعني في الآخرة بالجزاء. ومنهم من حملها على الدنيا، ومنهم من حملها على الآخرة، والأصح ما قدمناه.
واختلف فيما أوتيه من هذا الحال على قولين:
أحدهما: ثواب من الله تعالى على ما ابتلاه.
الثاني: أنه أنعم بذلك عليه تفضلاً منه، وثوابه باقٍ على حاله في الآخرة.
قوله عز وجل {ولأجر الآخرة خيرٌ للذين آمنوا وكانوا يتقون} فيه وجهان:
أحدهما: ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا من أجر الدنيا، لأن أجر الآخرة دائم، وأجر الدنيا منقطع.
الثاني: ولأجر الآخرة خير ليوسف من التشاغل بملك الدنيا ونعيمها لما فيه من التبعة.


قوله عز وجل: {وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه} الآية. قال ابن إسحاق والسدي: وإنما جاءُوا ليمتاروا من مصر في سني القحط التي ذكرها يوسف في تفسير الرؤيا، ودخلوا على يوسف لأنه كان هو الذي يتولى بيع الطعام لعزته.
{فعرفهم} فيه وجهان:
أحدهما: أنه عرفهم حين دخلوا عليه من غير تعريف، قاله ابن عباس.
الثاني: ما عرفهم حتى تعرفوا إليه فعرفهم، قاله الحسن.
وقيل بل عرفهم بلسانهم العبراني حين تكلموا به.
قال ابن عباس: إنما سميت عبرانية لأن إبراهيم عليه السلام عبر بهم فلسطين فنزل من وراء نهر الأردن فسمّوا العبرانية.
{وهم له منكرون} لأنه فارقوه صغيراً فكبر، وفقيراً فاستغنى، وباعوه عبداً فصار ملكاً، فلذلك أنكروه، ولم يتعرف إليهم ليعرفوه. قوله عز وجل:
{ولمّا جهزهم بجهازهم} وذلك أنه كال لهم الطعام، قال ابن إسحاق: وحمل لكل رجل منهم بعيراً بعدَّتهم.
{قال ائتوني بأخٍ لكم من أبيكم} قال قتادة: يعني بنيامين وكان أخا يوسف لأبيه وأمه.
قال السدي: أدخلهم الدار وقال: قد استربت بكم تنكر عليهم فأخبروني من أنتم فإني أخاف أن تكونوا عيوناً، فذكروا حال أبيهم وحالهم وحال يوسف وحال أخيه وتخلفه مع أبيه، فقال: إن كنتم صادقين فائتوني بهذا الأخ الذي لكم من أبيكم، وأظهر لهم أنه يريد أن يستبرئ به أحوالهم. وقيل: بل وصفوا له أنه أحَبُّ إلى أبيهم منهم، فأظهر لهم محبة رؤيته.
{ألا تروْن أني أوفي الكيلَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه أرخص لهم في السعر فصار زيادة في الكيل.
الثاني: أنه كال لهم بمكيال واف.
{وأنا خير المنزلين} فيه وجهان:
أحدهما: يعني خير المضيفين، قاله مجاهد.
الثاني: وهو محتمل، خير من نزلتم عليه من المأمونين. فهو على التأويل الأول مأخوذ من النزل وهو الطعام، وعلى التأويل الثاني مأخوذ من المنزل وهو الدار.
قوله عز وجل: {فإن لم تأتوني به فلا كيْل لكم عندي} يعني فيما بعد لأنه قد وفاهم كيلهم في هذه الحال.
{ولا تقربون} أي لا أنزلكم عندي منزلة القريب. ولم يُرد أن يبعدوا منه ولا يعودوا إليه لأنه على العود حثهم.
قال السدي: وطلب منهم رهينة حتى يرجعوا، فارتهن شمعون عنده. قال الكلبي: إنما اختار شمعون منهم لأنه يوم الجُبّ كان أجملهم قولاً وأحسنهم رأياً.
قوله عز وجل: {قالوا سَنُرَاوِدُ عنه أباه} والمراودة الاجتهاد في الطلب، مأخوذ من الإرادة. {وَإِنَّا لَفَاعِلُون} فيه وجهان:
أحدهما: وإنا لفاعلون مراودة أبيه وطلبه منه.
الثاني: وإنا لفاعلون للعود إليه بأخيهم، قاله ابن إسحاق.
فإن قيل: كيف استجاز يوسف إدخال الحزن على أبيه بطلب أخيه؟
قيل عن هذا أربعة أجوبة:
أحدها: يجوز أن يكون الله عز وجل أمره بذلك ابتلاء ليعقوب ليُعظم له الثواب فاتّبع أمره فيه.
الثاني: يجوز أن يكون أراد بذلك أن ينبه يعقوب على حال يوسف.
الثالث: لتضاعف المسرة ليعقوب برجوع ولديه عليه.
والرابع: ليقدم سرور أخيه بالاجتماع معه قبل إخوته لميله إليه.
قوله عز وجل: {وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم} قرأ حمزة والكسائي وحفص {لفتيانه} وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم غلمانه، قاله قتادة.
الثاني: أنهم الذين كالوا لهم الطعام، قاله السدي.
وفي بضاعتهم قولان:
أحدهما: أنها وَرِقهم التي ابتاعوا الطعام بها.
الثاني: أنها كانت ثمانية جُرُب فيها سويق المقل، قاله الضحاك.
وقال بعض العلماء: نبه الله تعالى برد بضاعتهم إليهم على أن أعمال العباد تعود إليهم فيما يثابون إليه من الطاعات ويعاقبون عليه من المعاصي.
{لعلهم يعرفونها} أي ليعرفوها.
{وإذا انقلبوا إلى أهلهم} يعني رجعوا إلى أهلهم، ومنه قوله تعالى {فانقلبوا بنعمة من الله} [آل عمران: 174].
{لعلهم يرجعون} أي ليرجعوا.
فإن قيل: فلم فعل ذلك يوسف؟
قيل: يحتمل أوجهاً خمسة:
أحدها: ترغيباً لهم ليرجعوا، على ما صرّح به.
الثاني: أنه علم منهم لا يستحلّون إمساكها، وأنهم يرجعون لتعريفها.
الثالث: ليعلموا أنه لم يكن طلبه لعودهم طمعاً في أموالهم.
الرابع: أنه خشي أن لا يكون عند أبيه غيرها للقحط الذي نزل به.
الخامس: أنه تحرج أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمن قوتهم مع شدة حاجتهم.


قوله عز وجل: {فلمّا رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا مُنِعَ مِنّا الكيل} واختلفوا في نزلهم الذي رجعوا إليه إلى أبيهم على قولين:
أحدهما: بالعربات من أرض فلسطين.
الثاني: بالأولاج من ناحية الشعب أسفل من حمس، وكان صاحب بادية له شاءٌ وإبل.
{قالوا يا أبانا منع منا الكيل} أي سيمنع منا الكيل إن عدنا بغير أخينا لأن ملك مصر ألزمنا به وطلبه منا إما ليراه أو ليعرف صدقنا منه.
{فأرسل معنا أخانا نكتَل} أي إن أرسلته معنا أمكننا أن نعود إليه ونكتال منه.
{وإنا له لحافظون} ترغيباً له في إرساله معهم. فلم يثق بذلك منهم لما كان منهم في يوسف.
{قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل} لأنهم ضمنوا له حفظ يوسف فأضاعوه، فلم يثق بهم فيما ضمنوه.
{فالله خير حافظاً} قرأ حمزة والكسائي وحفص {حافظاً} يعني منكم لأخيكم.
{وهو أرحم الراحمين} يحتمل وجهين: أحدهما: أرحم الراحمين في حفظ ما استودع.
والثاني: أرحم الراحمين فيما يرى من حزني.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12